أبو وردة تكتب: شعب يحلم وقيادة تؤمن ومنتخب يجسد
عمان الان – المحامية هبة أبو وردة
في لحظة وطنية لا يقتصر صداها على الإنجاز الرياضي، كان العبور الكروي عبورا وجدانيا إلى مشهدية جديدة من الفخر، الهوية والانتماء، ذلك الملعب المستطيل الأخضر، كان مرآة مكبرة تعكس فرحة الأمة وعمق إصرارها؛ فقد تجلى عليه وجه الوطن الكبير في الحلم، وهذا التأهل، تكريس عملي لصيغة أردنية جديدة، شعب يحلم، قيادة تؤمن ومنتخب يجسد.
فالأردن اليوم يتأهل عبر إرادة متراكمة، وصبر طويل، وصعود من تراكم سنوات من البناء الصبور، ومن رهان صادق على الطاقات المحلية، وعلى الثقة بأن الهوية الكروية الأردنية قادرة على أن تكتب بالأداء الخالص، فوصول الأردن إلى كأس العالم ليثبت أن السيادة تقاس بقدرة الشعوب على الحلم، وعلى تحويل الحلم إلى مشروع، ثم إلى لحظة واقعية تملأ الشاشات والقلوب.
كان هذا الفعل الكروي، فعل رمزي، بحركة صغيرة لكنها عملاقة في باطنها، هزت سردية الذات الأردنية في وجه التاريخ، وأعادت تشكيل العلاقة بين الوطن ونفسه، بين الإنسان ومصيره، بين الحلم وحدوده الجغرافية، فذلك الطفل الذي طالما ركض حافي القدمين، خلف الكرة القماشية في أزقة الشوارع، رأى حلمه يركض أمامه، هذه المرة في ملاعب العالم، وتحت أنظار الدنيا.
كل صافرة دوت كانت مواطنة، وكل هدف كان صرخة روح تبحث عن لحظة اعتراف عالمي، فقد عكس المنتخب زاوية من يبدع ويتفوق على ذاته وعلى قيوده، فركضت أحلامه على عشب أخضر، ورفرف قلبه فوق مدرجات الأرض، فالمنتخب لم يكن فقط أحد عشر لاعبا، مدربيهم والقائمين على إدارته، لقد لعب باسم الجميع، صرخ باسم الجميع، وانتصر للجميع، ولعل أجمل ما في هذا الانتصار، أنه لم يأت وحده.
فمنذ أن اعتلى ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، مشهد القيادة الشبابية، لم يخف حلمه، ولم يوار إيمانه بأن الأردن قادر على أن يتخطى موقعه الجغرافي، وأن يصعد من مربع الأمل إلى مستطيل الفعل، حيث تحدث بلغة تمسك الماضي بأدب، وتدفع الحاضر بجرأة، وتفتح للمستقبل أبوابا كانت تظن موصدة، فحلم أمير الشباب، في أن يرى منتخب بلاده في المونديال، كان تجليا عميقا للهوية الوطنية، وما فعله المنتخب هو استكمال لجملة بدأها الأمير في خطابه، في دعمه، في وقوفه الصادق خلف فريقه، كقائد يحلم لأمته، ويؤمن أن القيادة الحقيقية في الإلهام، فوضع الحلم، وترك الملعب ليقول كلمته فأنصت العالم.
دوت الصافرة، لتعلن نهاية المباراة، وبداية سردية جديدة في تاريخ هذا الوطن الصابر؛ فخرج الأردن من المدرجات، ونزل إلى قلب الملعب صانعا، هدافا ومعلنا عن نفسه أمام العالم، وقد صعد هذا المنتخب باسم كل من حلم ذات يوم، وسجل أهدافه، فانشق الغشاء الذي طالما حاصر الحلم الأردني في “واقعية” باردة؛ فالكرة، حين يدحرجها الإيمان، تكسر كل سقف.