حين تستيقظ الحكومة على أكثر من ساعة بيولوجية
عمان الان -لم يكن د. جعفر حسان اسماً طارئاً عن مشهد القرار السياسي حين كُلّف بتشكيل الحكومة في أيلول 2024؛ فهو قادم من عمق المؤسسة السيادة الأولى، حيث شغل موقع مدير مكتب جلالة الملك، ولعب دوراً محورياً في صياغة السياسات الاقتصادية والإدارية للدولة لسنوات طويلة. تكنوقراطي صارم، قليل الكلام، ودقيق في التنظيم، ويتولى الملفات المعقدة بنفسه.
منذ اليوم الأول، أطلق رئيس الوزراء خطة تحرك ميدانية شملت المحافظات والمناطق المهمشة، وجلسات لمجلس الوزراء خارج العاصمة، في محاولة رمزية جادة وعملية لفك مركزية القرار، وربط السياسات بالاحتياجات المحلية. غير أن هذا الحراك لم يُخفِ الانتقادات المرتبطة بإعادة تدوير الوجوه ذاتها في فريقه الوزاري، واستمرار النهج التقليدي في ملفات الحريات العامة والاعتقالات السياسية على خلفية التعبير عن الرأي، وهي مؤشرات لا تنفصل عن تراجع مجلس النواب وصمته إزاء غياب التشريعات الداعمة للحريات والعمل الحزبي.
لكن الحكومة الميدانية لا تنحصر فقط بالانطلاق خارج العاصمة، بل في تفاعلها الحقيقي مع نبض الشارع. ورغم أن الرئيس يُعرف عنه انضباطه المبكر (early bird)، وميله للعمل وفق ساعة بيولوجية تتسم بالنشاط اللافت، إلا أن هذا الإيقاع لا ينسحب على بعض وزرائه؛ حيث تختلف ساعاتهم البيولوجية عن ساعته كثيرا، و(فرق التوقيت) واضح في ضعف الأداء لديهم، وبطء الاستجابة، وغياب الحضور الميداني، وكل ذلك ينتج تبايناً داخل الفريق التنفيذي يُضعف الثقة العامة بالحكومة، ويكشف عن خلل بنيوي في التناغم المفترض.
أظهر استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بعد مرور 200 يوم على التشكيل، ارتفاعاً في نسبة الثقة بالحكومة إلى 65%، وهو مؤشر إيجابي نادر منذ 2011. لكن الاستطلاع ذاته أغفل تماماً فئة الأحزاب والمثقفين، وبما يعكس غيابهما من ذهن فريق الرئيس، وهما ركيزتان في مشروع التحديث السياسي. هذا الغياب لا يُعد تفصيلاً منهجياً، بل يعكس واقعاً مقلقاً يتم فيه إقصاء أهم فاعلين مدنيين من دائرة الحوار والتأثير، على خلاف ما يُعلن رسمياً من التزام بالإصلاح والانفتاح؛ الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول جدية الحكومة في إحداث التغيير الديمقراطي الحقيقي؛ فاعتقالات الرأي مستمرة، والتوقيف الإداري قائم، ولا مؤشرات على تعديل قانون الجرائم الإلكترونية أو على رغبة حقيقية في دعم الأحزاب وإشراكها بصورة جدية في الحياة العامة. وتبدو الحكومة، برغم حيوية الرئيس، وكأنها تعاني من ازدواج في الإيقاع، بما يُنتج ازدواجاً في الصورة وخسارة في الفعالية.
وفي ضوء هذا التفاوت البنيوي في أداء الفريق الحكومي، وفرق التوقيت تبدو مسألة إعادة تشكيل الطاقم الوزاري، كما يُتداول بهدوء في الكواليس السياسية، أقرب إلى ضرورة تنظيمية منها إلى قرار سياسي محض؛ فتسارع إيقاع الرئيس، مقابل تباطؤ وزارات بعينها، لا يُنتج حكومة فاعلة، بل يُنتج ازدواجا في الصورة وخسارة في الكفاءة. ومع ما يُتداول حول تعديل محتمل نهاية آب/أغسطس المقبل، تصبح إعادة تموضع بعض الحقائب مسألة وقت لا جدل؛ لأن الحمولة الزائدة تعيق الانطلاق.