نبش الماضي أو استدعاء قصص قديمة لن يضيف شيئًا للحاضر

11٬258

 

عمان الآن – أحمد الضامن

 

 

من يراقب مسيرة الحياة السياسية والبرلمانية في الأردن خلال العقدين الماضيين، يلحظ بوضوح حجم النقلة النوعية التي جرت على صعيد الممارسات الديمقراطية والانتخابات النيابية، نعم لقد خرجنا من مرحلة كانت فيها الشكوك والاتهامات حاضرة في كل استحقاق انتخابي، إلى مرحلة جديدة باتت فيها النزاهة والشفافية سمة أساسية للانتخابات الأخيرة، بشهادة مؤسسات رقابية محلية ودولية.

اليوم، لم يعد هناك مجال للحديث عن تدخلات أو هندسات مسبقة للمجالس النيابية، فالدولة، بكل مؤسساتها، اختارت المضي في مسار الإصلاح السياسي، وفتحت الباب واسعًا أمام العمل الحزبي المنظم، بحيث أصبحت القوائم الحزبية جزءًا رئيسيًا من المعادلة الانتخابية، وهذا التحول يعكس رؤية استراتيجية للدولة الأردنية في تعزيز دور الأحزاب، وتمكين الشباب والمرأة، وخلق حالة سياسية أكثر نضجًا وتعددية.

إن الذين يحاولون استدعاء قصص الماضي أو اجترار حكايات قديمة عن تزوير أو تدخلات، يظلمون جهدًا استمر سنوات طويلة لبناء حالة سياسية حديثة ومتطورة، فنحن اليوم أمام تجربة مختلفة عن أي وقت مضى، تجربة تؤكد أن الإرادة العليا في الدولة لا تريد العودة إلى الوراء، بل تدفعنا جميعًا إلى الأمام نحو مستقبل أفضل، حتى وإن وُجدت بعض الأخطاء هنا أو هناك، فإنها تبقى حالات فردية لا يجوز التعميم عليها أو تحميلها أكبر من حجمها، فالمؤسسات الوطنية بطبيعتها قائمة على منظومة عمل جماعي تحرص على المصلحة العليا للدولة، ولا يمكن أن تُختزل في تصرف شخص أو واقعة معزولة

نحن بحاجة إلى طي صفحة الماضي، ليس إنكارًا لوجود أخطاء في مراحل سابقة، بل إيمانًا بأن التكرار لم يعد ممكنًا ولا مقبولًا في ظل التحولات الكبيرة التي نشهدها، والإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري اليوم ليس شعارًا للاستهلاك، بل مسارًا عمليًا تتبناه الدولة بأعلى مستوياتها.

الانتخابات النيابية الأخيرة كانت علامة فارقة في هذا الطريق، حيث لمس الجميع مستوى الشفافية، وأثبتت الدولة أنها جادة في ترك صناديق الاقتراع تحسم خيارات الأردنيين بحرية تامة، ومن هنا، فإن الرهان الحقيقي اليوم يجب أن يكون على مزيد من المشاركة الشعبية، وعلى تطوير العمل الحزبي، وعلى تعزيز الثقة بالمؤسسات البرلمانية لتكون قادرة على القيام بدورها الرقابي والتشريعي بكفاءة أكبر، لا أن نعود إلى الوراء.

إن التطلع إلى المستقبل لا يتحقق بالعودة إلى الوراء، بل بالمراكمة على ما تحقق، والتأكيد أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح، والحياة البرلمانية اليوم مختلفة، والديمقراطية الأردنية لم تعد حبرًا على ورق، بل ممارسة يومية تتطور مع كل استحقاق جديد، ونحن جميعًا شركاء في إنجاح هذه المسيرة، ونبش الماضي أو استدعاء قصص قديمة لن يضيف شيئًا للحاضر

قد يعجبك ايضا